هذا النص، لكل نص قد تُرك بإهمال في طرف الدرج أو العقل دون إكتمال، لكل نص يشعر بالكره تجاه من كتبه، ولكل نص يحسُ بفراغه، بعض الكتابات لا يكلفُ الكتّاب أنفسهم بالإطلاع عليها كما ينبغى ويقومون برمي الورقة وقتما قررت كلمة ما ألّا تخرج يستسلمون بسرعة مخيفة للكلمات فيكتبون بعفوية كل الذي يطرأ على عقلهم، أو يستسلمون لواقع أن تلك الكلمة المعينة لن تخرج، لذلك سيموت النص قبل أن يستطيع أن يكتب أحدهم ما يريد.
كلمة واحدة تستطيع أن تتحكم في كاتب.
أقصى ما يستطيع أحدهم الخروج به نصٌ خالٍ من المعارك المحتدمة التي تكون مع الكلمات عادةً فأن بدأت المعركة لا حل إلا انتصار أي شيء إلّا الكاتب، ومن يعاني بحق هو النص، يعاني من الضياع، يشعرُ بعدمِ إكتماله وخوفه من المصير، ويحاول جاهداً إرغام الكلمات على مطاوعة الكاتب لكنّه لا يستطيع، قليل الحيلة، خائف ومتردد كما الكاتب الذي صبغَ نصه بصفاتِه، فمهما بدأ النص قوياً متماسكاً أأكد لكم أنه مرّ بلحظةِ ضعفٍ وإنهيار قبلاً ولم يكتسب كل هذا التماسك من المرة الأولى!
يتم وأد مُعظم النصوص في مكان ما قبل أن يكون لها فرصة حقيقية في إثبات وجودها، وخروجها بعد ذلك متوقف على الصدفة البحتة ومزاجية الكاتب، رغم إنتصاره المحقق على الكلمات في بعض الفقرات، إلا أنه يستصغر قيمة ربحه ويفضل أن يقوده مزاجه الذي يخبره، أنَّ ما يكتب هو مجرد قمامة ويصدق مزاجيته بكل سذاجة، وأحياناً مزاجيته تجعله يغتر بقدرٍ يجعله ساعياً للكتابةِ في كل منحى أي شيءٍ فقط ليثبت لشخصه أنه جيّد، وبهذا يتناسى أهمية ما يكتب فعلاً، ويتم ترجمة كل ذلك في كتابته، المزاجية و اللامبالاة.
مهما كتبت من أشياء لا تروق لكَ فهي شئت أو أبيت لن تكون قمامة، ليس بالنسبة لجزءٍ منك كتبها بكل صدق.. ليس إلا أن أرغمت كل جزءٍ فيك أن يكتب شيئاً ما أي شيء لا يهم ما هو فربما قد تستخلص من تلك التجربة قمامة، لأنها قد تكون قابلة لإعادة التدوير!
أن لما تكتبون عليكم حق، لا تجعلوا نصوصكم فارغة، مصطنعة، تفوح منها رائحة الإكراه، فذلك يدنس من حقِ الكلمات، وهذا تحديداً ما يجعل الكلمات في حالة ثورة دائمة على الكتّاب خوفاً من أن تتلاشى معانيهم الحقيقية وتصبح مجرد إبتذال يستخدمه كل من هبّ ودب، لا تستخدموا الكلمات ذات المعاني السامية في غير موضعها، فتصبح مستهلكة بالية وغير معبّرة، لا تجعلوا العالم يبحث عن مردافات أخرى لكلمات تستحق أن تظل كما أتت ذات معنى وحضور، لا تجعلوا الكلمات تعانى فنعاني نحنُ معها لأننا لم نفعل شيئاً سوى التعبير عما يختلج في صدورنا.
رجاء: لا تقتلوا الكلمات.
لا تجعل النص يغضب منك، فإن غضبه سيمثلك أسوء تمثيل، وسيتحالف مع الكلمات التي كانت تكرهك قبلاً ويحاول هو مساعدتك للوصول إليها دون مشقة وعناء، خسارتك للنص أدهى وأمرّ من خسارتك ضد الكلمات، فخسارتك ضد الكلمات يعني أن تحاول من جديد مع كلمات أخرى،أما في حالةِ نص كامل فأنت تخسر جزءاً منك كُتب على ورق، وسيكرهك ذلك الجزء للأبد، بالتأكيد هذهِ ستكون آخر المشاكِل التي تتمنى أن تواجهك، أن تدخل في حربٍ مع أشياء تهرب إليها وتتخذها ملاذاً، تخيّل إن طردتك يوماً أين ستذهب؟ لذلك ركزّ جيّداً وأعط النص حقه، يجعلك تلجأ إليه في أي وقت.
هذا يمثلني فقط، لا بالضرورة أن يمثل الجميع.