الأحد، 12 يناير 2014

القلم الأزرق الجاف ...

لستُ أعلم حقَّاً إن كان ما سَأكتبهُ هنا سيكونُ لهُ صلةٌ بالعنوان. أم أنَّ العنوان حكايةٌ تحكى في تدوينةٍ أُخرى. 


القلم الأزرق الجاف. ذاك القلم الذي خططتُ بهِ مشاعري للكثير. والذي خُطت بهِ مشَاعر لي. بدأ يفقدُ قدسيتهُ بين هذا القلم الوهمي الذي أكتبُ بهِ الآن. قلمٌ وهميٌّ ذو لونٍ أسود .. أعلم أنَّ اللون الأسود فخَم لكن أوتدرون؟ أنَّ القلمَ الأزرق الجاف يفوقُ اللون الأسود فخامةً في الكتابةِ خاصةً. يكفِي أنَّ هذا القلم قد شهِد على خطي الأول يكفي أنَّهُ شاركني .. أفراحي ، أحزاني ، مشاعرِي ، أوراقِي ، أغلبُ ما أكتبهُ بصدقٍ يُكتبُ بقلمٍ أزرق وجاف. لا أدري لماذا يكون اسمه جافاً ، هذا ظلمٌ كبير لخدمتهِ التي يُقدمَّها لي ولغيري ، هذه ظلمٌ كبير لجمالهِ وسحرهِ ، يجب أن يُبدَّل اسمهُ للقلم الأزرق الفيَّاض أو الجيَّاش رُبَّما. لا أستريحُ في الكتابة ولا أشعرُ بأنَّها حقيقية إلَّا إذا خُطت في ورقة دفترٍ معيّن وبقلمٍ أزرق وجيّاش. لا أستطيعُ التوقف عندَ الكتابةِ بهِ تفيضُ عواطفِي قِسراً ليسَ الأمرُ بيدي كأنَّ ذاكَ القلم يدخلُ بينَ ثنايا قلبي وردهات قلبي ويستبيحُ مالي .. مالي هو أفكاري الصغيرة إنه يسرق أفكاري .. إنه لعوبٌ جداً! لكنِّي أهبه تلكَ الأفكار نهايةً. تتحررُ أصابعِي من قيُودِ التفكير المرهِق وتنسَابُ الحروف بصعوبة ممتصة كلَّ طاقةٍ قد انتجتها من التنفس الهوائي. لكنها على الأقل ليست مكتوبةً بخطِ نسخٍ مقيت. أنا أكرهُ خط النسخ. وعلى الأقل أنَّ هذهِ الصعوبة تجعلني أتحدّى الورقة ، الأفكار ، القلم وكلُّ شيء! أخبر الورقة من خلال القلم أنني قبلتُ تحديها وسأنتصِر! وأخبر أفكاري بأنها ستنصاع لأمر القلم الذي سيصبح حليفي ، حليفي وحبيبي وصديقي و أختي وسري وكل شيءٍ يربطه بي. أرتاحُ كثِيراً في خطي الصغيّر المبعثَر. ربَّما ما أكتبهُ الآن هُو طلاسِم بحتة وقد لا يفهم أحدكم المغزى من هذهِ التدوينة .. هذا لا يهم المهم أن نعلم أن القلم الأزرق جزءٌ منَّا جميعاً لابدَّ أن نكون قد كتبنا بهِ يوماً وشوهنا معالم شيءٍ ما. ما أنا متأكدةٌ منهُ أنَّ ما كتبته امتنان للقلم الأزرق الفيّاض الذي منحني متنفسَاً ودواءً وموطناً ومخبأً وملاذاً وكلُّ شيءٍ كهذا. 


هذا القلم أيضَاً يستطيعُ أسَر قلبي. أو أنَّهُ قد أسرهُ فعلاً. لا أدري. لكنَّهُ من أكثَر الأقلام فعاليةً في جذب مشاعري واستئصالها لأدفنها بلهفة في عقلي. يكفي أنَّهُ بلونِ السماء والبحرِ الساحرين .. أعني ما الذي قد يتمناه المرء أكثر؟ أن يمسكَ بطبيعةٍ خلابةٍ بينَ يديهِ وهو لا يعبأُ بها! ما الذي قد يجذبه إن لم يجذبه خطُّ صديقٍ أو حبيب بهذا اللون المريح للأعصاب؟

كذبتم عليّ وأخبرتمونِي أنَّ القلم الأزرق جاف .. هو ليسَ جافاً البتة .. أنتم من تعانون الجفاف .. هو فياضٌ جياشٌ بالمشاعر سمحَ لكم أن تنقلوا أفكاركم عبره وأن تكونوا جزءاً منه. ما الذي قد يكون أفضَل؟

السبت، 4 يناير 2014

فتَاة بِنصِف وطَن!

من أنا؟ من أكون؟ إلى أينَ أنتَمي؟ وما هِي هويتي؟ ألم يكفني عبءُ الابتعاد عن أرضٍ يُقالُ لها وطَن؟ 
ما هُو الوطَن؟ أينَ يقع؟ ما هِي تضاريسَهُ؟ أيعقلُ أنَّهُ مجردُ مَادة تُدَّرس في الجغرافيا سنوات عديدة؟ أيعقل أنَّ ما حفظتهُ عنهُ كانَ فقط لا شيء؟ هُو فعلاً لا شيء لأن ذلكَ اللاشيء لم يزِد الصورةَ إلَّا طمسَاً وأصبح الوطن بفضلهِ أكثَر غرابة. 


أنا مؤمنةٌ بأنَّ الأم وطَن لكن الجدةُ أيضَاً وطن ، أبي وطن ولكن جدي أيضاً وطن! ما هذا كم وطناً تملكينَ يا أنتِ؟ أملكُ نصِفَ وطن! وكيف ذلك؟ ذلك عاديٌّ جداً أنا قَد فارقتُ تلك المادة المطروحة للدراسَة وما تحمِل من أشخاص داخلها أعرفهم أو لا هذا لا يهم لأنني أعرف على أنّهم يشَاركونني الوطن وهذا ما يهمني حقَّاً هذا ما يهمُني. 


لديَّ هاجسٌ غرِيب وتدقيقٌ أغرب وأنا هُنا ملقاةٌ بعيداً عن الوطَن أن أسمع أصوات الجميع بتركيز أصبحت أرى أصوات المنتمين إلى وطنِي متشابهة ، أصبحتُ أرى خصلةً مُشتركةً تعلو ملامِحهم يوجدُ شيءٌ بكم جميعكم يجعلنِي أجزم أنكم من وطني أو لا ، أنا أعرفكم ، أعرفكم بطريقةٍ أو أخرَى ، لا تسألونِي كيف ذلك أو كيفَ اكتسبتُ هذهِ الخبرة ، فقط أعرفُ إن كنتم من ربع الوطَن الضائع أم من ربع الوطن المتبقيّ! ويّحك أيُّ وطنٍ ضاع لكِ؟ أليسَ جنوبُ السودَان وطناً؟ كان جزءاً من الوطن لم أره يوماً سُوى في الخرائط المملة التِي تزخرُ كتبِي للتارِيخ والجغرافيا بها، لم أرَ في السُودان سوى تلكَ البقعة الصغِيرة المسماة " توتِي " لكن هل يعني أنَّ عطبرة ليست جزءاً منِي؟ أو أنَّ دنقلا ومروي لا تعنياني؟ أو أنَّ الجزء الذي لم أره في تُوتِي لم يعد وطني؟ أنا لم أعش في الوطن كثيراً أقصى مدة لي كانت ثلاثة شهورٍ لا غير ولكن هل هذا يعني أنَّي مسرورة؟ أو يعني أنِّي مرتاحة؟ أنا أرغب أن أزور كلَّ جزء في السُودان بورتسودان ونيّالا وبارا وكلُّ مدينةٍ لم أعرِف اسمها يومَاً أو مدينة قد تاه اسمُها في ثنايا عقلي ، ليس جميلاً أن تسمع عن ربع الوطن الآخر فقط أو أنَّ ترى صوراً يقال أنَّها مُلونة وعاليّة الجودة أنا لا أرى لها جودةً أو لوناً هي فقط صُور تشبهُ الخنجر الفرق أنَّ طعنة الخنجر تقتُل أما طعنةُ الصورة فداميّةٌ فقَط تضحكُ بصوتٍ هامس ثُم يتعالى شيئاً فشيئاً يصمُّ الآذان ، أحياناً أرغب في رميّ الكتب التي تحمل هذهِ الصور أشعرُ بأنَّها عبارة عن كائنات حيَّة تُشبهُ في وظيفتها الديدان الشريطيّة الفرق أنَّها تلتصقُ في دماغك بدلاً عن معدتك وتسلبُ منك كل صورةٍ جميلةٍ للوطَن بدلاً عن الغذاء أليسَ جمال الوطن غذاءُ العقل؟ والغريب أنَّ هذهِ الديدان لم تُكتشَف بَعد. 


لكنِّي محظوظة لستُ كالكثِير. على الأقل أملكُ نصفَ الوطن ، وأستطيع على الأقل أن أكذِب على نفسِي بأنِّي أعلمُ القليل عن ربع وطني المتبقي والربع المسرُوق ، أو أنني أستطيع أن أرى صورهُ تتمتع بإغاظتي ، على الأقل أدرسُ في مدرسةٍ لها نفسُ مناهج الوطن ونفس الأشخاص الذين يشتركون في تفصيلة أو أكثر يسمُون بالمعلمات ، على الأقل لستُ أنبذُ لهجتِي ، على الأقلُ لستُ أتبخترُ فرحةً كوني بنصفِ الوطن ، على الأقل لستُ أكرهُ الوطَن. 


ليسَت المشاعِر بهذا السُوء دائماً


لماذا أرضِى بنصِف وطنٍ فقَط؟ لماذا أرضى بالقليل دائماً؟ لماذا أحبُّ المطر في وطني فقط؟ ولماذا أفرح عند إنقطاع الكهرباء؟ ولماذا أتأملُ الجدار كلَّ سنة أبحثُ عن تغيّرٍ صغيرٍ جداً فيهِ؟ لماذا أنا كثيرة التعلق بالمزارع التِي أراها من شُباك الطائرِة؟ لماذا أتمعنُ كثِيراً في وجهِ جدي الملئ بالتجاعيد؟ ولماذا يُعجبني بيتُ جدتِي جداً؟ ولماذا أكرهُ الطائرات كثيراً؟ رغم أنَّها وسيلتي الوحيدة للوصول للوطن؟ لماذا كتبتُ هذهِ التدوينة؟


أيعجبني أن أكون فتاةً بنصفِ وطن؟ لا؟ إذن لماذا أرضَى بالقلِيل؟ لماذا حاولت إسعاد نفسِي بكتابتي لفقرة على الأقل؟ لماذا كثُرت تساؤلاتِي؟ يجبُ أن أصمت الآن سأبدأ بالتفوه بالترهات ، " كأنَّ كامل هذه التدوينة لم تكن سوى ترهات مبعثرة"

 
شُكراً لتحملكم لي.