القلم الأزرق الجاف. ذاك القلم الذي خططتُ بهِ مشاعري للكثير. والذي خُطت بهِ مشَاعر لي. بدأ يفقدُ قدسيتهُ بين هذا القلم الوهمي الذي أكتبُ بهِ الآن. قلمٌ وهميٌّ ذو لونٍ أسود .. أعلم أنَّ اللون الأسود فخَم لكن أوتدرون؟ أنَّ القلمَ الأزرق الجاف يفوقُ اللون الأسود فخامةً في الكتابةِ خاصةً. يكفِي أنَّ هذا القلم قد شهِد على خطي الأول يكفي أنَّهُ شاركني .. أفراحي ، أحزاني ، مشاعرِي ، أوراقِي ، أغلبُ ما أكتبهُ بصدقٍ يُكتبُ بقلمٍ أزرق وجاف. لا أدري لماذا يكون اسمه جافاً ، هذا ظلمٌ كبير لخدمتهِ التي يُقدمَّها لي ولغيري ، هذه ظلمٌ كبير لجمالهِ وسحرهِ ، يجب أن يُبدَّل اسمهُ للقلم الأزرق الفيَّاض أو الجيَّاش رُبَّما. لا أستريحُ في الكتابة ولا أشعرُ بأنَّها حقيقية إلَّا إذا خُطت في ورقة دفترٍ معيّن وبقلمٍ أزرق وجيّاش. لا أستطيعُ التوقف عندَ الكتابةِ بهِ تفيضُ عواطفِي قِسراً ليسَ الأمرُ بيدي كأنَّ ذاكَ القلم يدخلُ بينَ ثنايا قلبي وردهات قلبي ويستبيحُ مالي .. مالي هو أفكاري الصغيرة إنه يسرق أفكاري .. إنه لعوبٌ جداً! لكنِّي أهبه تلكَ الأفكار نهايةً. تتحررُ أصابعِي من قيُودِ التفكير المرهِق وتنسَابُ الحروف بصعوبة ممتصة كلَّ طاقةٍ قد انتجتها من التنفس الهوائي. لكنها على الأقل ليست مكتوبةً بخطِ نسخٍ مقيت. أنا أكرهُ خط النسخ. وعلى الأقل أنَّ هذهِ الصعوبة تجعلني أتحدّى الورقة ، الأفكار ، القلم وكلُّ شيء! أخبر الورقة من خلال القلم أنني قبلتُ تحديها وسأنتصِر! وأخبر أفكاري بأنها ستنصاع لأمر القلم الذي سيصبح حليفي ، حليفي وحبيبي وصديقي و أختي وسري وكل شيءٍ يربطه بي. أرتاحُ كثِيراً في خطي الصغيّر المبعثَر. ربَّما ما أكتبهُ الآن هُو طلاسِم بحتة وقد لا يفهم أحدكم المغزى من هذهِ التدوينة .. هذا لا يهم المهم أن نعلم أن القلم الأزرق جزءٌ منَّا جميعاً لابدَّ أن نكون قد كتبنا بهِ يوماً وشوهنا معالم شيءٍ ما. ما أنا متأكدةٌ منهُ أنَّ ما كتبته امتنان للقلم الأزرق الفيّاض الذي منحني متنفسَاً ودواءً وموطناً ومخبأً وملاذاً وكلُّ شيءٍ كهذا.
هذا القلم أيضَاً يستطيعُ أسَر قلبي. أو أنَّهُ قد أسرهُ فعلاً. لا أدري. لكنَّهُ من أكثَر الأقلام فعاليةً في جذب مشاعري واستئصالها لأدفنها بلهفة في عقلي. يكفي أنَّهُ بلونِ السماء والبحرِ الساحرين .. أعني ما الذي قد يتمناه المرء أكثر؟ أن يمسكَ بطبيعةٍ خلابةٍ بينَ يديهِ وهو لا يعبأُ بها! ما الذي قد يجذبه إن لم يجذبه خطُّ صديقٍ أو حبيب بهذا اللون المريح للأعصاب؟
كذبتم عليّ وأخبرتمونِي أنَّ القلم الأزرق جاف .. هو ليسَ جافاً البتة .. أنتم من تعانون الجفاف .. هو فياضٌ جياشٌ بالمشاعر سمحَ لكم أن تنقلوا أفكاركم عبره وأن تكونوا جزءاً منه. ما الذي قد يكون أفضَل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق