الاثنين، 29 سبتمبر 2014

سأصرخ.

فلتعلمي يا حنين أني سأصرخ بكل ما أوتيت من قوة، سأصرخ صرخةً صامتة، عنيدة، مختلفة، سأصرخ لأهرب من كل شيء، سأصرخ وأبعثر الكلمات المحببة لدي بكل جنون، وربما سأرقص على جمالها، أو سأعبث بكلمات الأغاني بطريقة عشوائية، سأصرخ بكل اسمٍ يعني لي شيئاً، بكل اسمٍ استطاع أن يجذبني شخصه، سأتنفس الجنون وأصرخ بهِ، لن يكون كل شيء إعتيادياً بعد اليوم، سأصرخ طالبةً النجدة، النجدة من الحياة، الناس، والتفكير، من المشاعر، الأفكار، والتفاصِيل، ومن بيتي الواسع الكبير، الذي أضحى يضيق علي شيئاً فشيئاً، سأصرخ طالبةً بيتاً صغيراً يحتويني ويحتضنني، بعيداً عن كل تلك الأشياء المسببة للصراخ تلك الأشياء التي كانت رفيقتي في يومٍ من الأيام، أكتب على جدران البيت الزجاجية التِي لا تنام ولا تسأم، كأنّها وُجدت من أجلي، تلك الجدران يا حنين أتخيّلها تأمرني بأن ألوثها بكل كلمة، بكل اسم، بكل ما أستطيع من كلمات، وبكل ما يغرقني من مشاعر، أن أعتبرها المحيط الذِي ألقي فيه جميع أسراري.
أريد للجدار أن يتنفس حروفاً أن يكون صديقاً حقيقياً كما تخيلته، لا يسمح لي بالكتابةِ فيه فقط، لكن يحتضنني في ليالي الشتاء الباردة، يرفع من معنوياتي وسط إحباطات نفسِي المتقلبة، أن أعلم تماماً أنَّ ما أنظر إليّه ذلك المكتوب بالخط المبعثر الصغير هو أنا على شكل حروف، وأن تسلل أشعة الشمس صباحاً خلاله فتوقظني لأتسامر معه أكثر، وأن تكون الكلمات كلها في وسط الشمس عندما تغرب، لأفهم تماماً أن كلماتي كالشمسِ تماماً ستغربُ يوماً، أن يكون ذاك الجدار الزجاجي رقيقاً حساساً، قد يتشقق لصراخي، أو يتحطم من إزعاجي، لكنّه على الأقل آواني، أحس بما اختبرته، وذاق ألم ما شعرت بهِ في أحد فترات حياتي، من الضياع، فتحطّم خوفاً أو ربما حزناً عليّ، ربما يخبرني بطريقتهِ الخاصة أنّه يهتم لأمري كما لم يهتم جماد قبلاً، وأنه سيكون متجاوباً إن صرخت، سيكون موجوداً إن أردتُ الكتابة وسيكون موجوداً إن أردت ممارسة طقوسي التأملية بوجوده.
أو ربما يخبرني الزجاج إنني مهما صرخت، لن يزول الضياع، مهما رقصت ومهما صنعت لنفسي سعادةً مؤقتةً متناسيةً الواقِع سينتهي بي الأمر، محطمةً تماماً، مثله، محطمة إلى أشلاء يصعب جمعها أو إعادتها لسابق عهدها! المزيد من التضحية المخيفة وغير الضرورية، المزيد من التضحية التي تسرق مني أحد أسباب راحتي، التضحيات أحد سبب صراخي، التضحيات أحد أسباب تعاستي، لا أستطيع أنّ أجملها وأطلق عليها " تنازلات " فلم يتنازل طرفٌ آخر، فقط طرف يعطي. فقط.
هذا كله سيحدث يا حنين إن لم يكن فقط ذاك البيت خيالاً، مجرد أوهام تعبث بعقلي!
وعلى ذكرِ التضحيات حتى هنا صوتي يضحي خيالاً أو واقعاً، يضحي لأجل المشاعر التي لا أفهمها يضحي لأجلي أنا، لأني لست ذات سلطة عليه، هو فقط يضحي لأجلي.
هناك شيءٌ آخر قد فكرت فيه وهو أنَّ الجمادات هي الوحيدة التي تشهد الوقائع ولا تتحدث بها، الجمادات تعطيني دلالات كثيرة، تخبرني أنها تفهمني، أنها معي، حتى وإن كنت قد أخبرتها بكل شيءٍ وأنا أبكِي وبدون توازن في كلماتي، تفهمني، لأنها من عالم غير عالمي، لأنّها صديقتي في هذهِ العزلة، ورفيقتي حين لا أجد رفيقاً!
فإن كنتُ يا حنين أودُّ أن أسافر دون بيتي المليء بالجمادات النابضة بالحياة، المنطلقة نحو سعادتي فأنا جاحدة أستحق العقاب، يجب أن يصرخ الجميع في أذني، وأن تُقطع أوراقي المبعثرة في الأدراج إلى أشلاء أمامي، أن تقطع وأن أسمع كلماتها تتلاشى وصورتها الغاضبة تتعاظم، وأن يبكي زجاج النوافذ، بسبب الرطوبة أو المطر لا بسببي، ليخبرني أن وجودي كعدمه! وتقديري لهم لن يكون كافياً، يجب أن أجد كل شيء يكرهني لأني أنا، لأني كالبشر خائنة! فأصرخ للمرة الأخيرة، فأصرخ بكاءً وحزناً فأصرخ ولا يهتز البيت، فأصرخ صمتاً قاتلاً وتتصارع نفسي لقولِ الوداع ببرود، رغم الدموع المتساقطة، ورغم معرفة الجمادات المتمردة بما يدور داخلي، فنصرخ كلنا يا حنين، بيتاً وورقاً وجدراناً وأنا! وأنا يا حنين!

همسة:
حنين صديقتي الخيالية، ولدت اليوم في هذهِ التدوينة..

خدعةُ الكتابة.

الإنسَان كتلة متحركة، مليئة بالأشياء الغريبة المعقدة، فحتى وأنا في أكثر حالاتي فهماً لنفسي أجد مشاعراً متضاربة، تحاول إيجاد حيّز فارغ في أي بقعة لتنتشر كالسم.

ما كتُب أعلاه يبدو كأنَّه ، كتبتهُ نفس غاضبة بأسلوب هادئ، لأنها تحاول أو ترغب في التحكم بأعصابها، بمشاعرها وأفكارها لكن في الحقيقة تلك النفس تجعلُ التحكم بمشاعرها شيئاً أكثر صعوبة إذ أنها لا تعترف بماهية ما تحس به حقّاً وتكتفي بالكتابة الغريبة التي لا ترتبط بما تشعر حقّاً عوضاً عن ذلك هي تقوم بكتابةِ النصوص وتحليلها كما أفعل الآن، وتدعّي عبثاً أنها قد حلّت مشاكلها، ولكنها كمن ابتلع جرعة كبيرة من المسكِن، الذي يكفي أن تجربه لأول مرة فتدمنه، وعند الإدمان لا ترغبُ النفس بالشفاء حقّاً، تتحمل ما يحدثُ في دواخلها من مشاعر متناقضة في نفسِ اللحظة دون خوفٍ أو غضب حقيقيان، لأنَّ تلك المشاعر ستسمح لها بإستخدام جرعات أكبر من ذاك المُسكِن المدعو بـ"الكتابة" الذي لا مفر منه حتى بعد التعافي.

لم أتوقع أن ينحرف المسار بي إلى هذهِ النقطة. لم أتوقع أن أستطيع الوصول إلى هنا دون التعرض للأعراض الجانبية لهذا المسكِن..
نعم.. للكتابة أعراض جانبية كما جميع الأدوية، الشك.. الرغبة في التوقف عن الكتابة.. مسح كل ما كتبت.. وتذكرة مجانية للدخول في أرض الكآبة، استعطت بطريقةٍ ما التغلب على تلك الأعراض الجانبية، لربما كنت آخذ الجرعات سابقاً بصورة أكبر، أو نوع معيّن من المشاعر كان يزيد من حدة تلك الأعراض الجانبية.. قليل من الحماسة مدمر لعمل المسكن. الحماسة قد تكون قاتلة.

شخصياً.. أجدُ الكتابة مستحيلة جداً في حالات السعادة المفرطة، السعادة المفرطة مسكن بحد ذاته تلغي عمل المسكنات الآخرى، للأسف السعادة ليست مسكناً يسهلُ إدمانه مهما كبرت جرعته، هنا تكمنُ الخدعة..

إقتلاع المشاكِل من جذورها قد يكون الحل الأمثل، لكن الإدمان يجعلُ هذا الحل سراباً أتوق الوصول إليه، لكنَّه مجرد سراب.