الأحد، 1 يناير 2017

20.10.2014

--

أنا من ذاكَ النوع الذي يحب الرجوع وتذكّر ما كَتَبَ قديماً، وكان بيَّ من الفضول ما يكفي للعودة لما كتبت منذ 3 سنوات.
وجدتُها كمن لبِثَ 3 قرون ولم يتعرّف على ما رآه.
التغيير سمةٌ ثابتةٌ في كل التفاصيل ومتكررة ومتجددة.
انعطف تفكيري في منحىً بعيدٍ تماماً عمّا رسمته كلماتي في ذلكَ الوقت وتطورتُ لشخصيةٍ أخرى، بعيدةٌ تمامَ البُعد عن تصوراتي.
من يقرأُ ما أكتبه قبلاً وما أكتبهُ الآن سيشكُ أنني مصابةٌ بإنفصامٍ في الشخصية، ولست أعلم أيّ الشخصين أفضل.
أحبُّ أن أمقت نفسي وأشكرها في ذاتِ الوقت.. لأنَّ قراري هو ما أوصلني لهذهِ المرحلة، قرارٌ أحتاج شجاعةً وتفكيراً مطوّلاً لكنه اُتخذَ على عجل وبلا مبالاة.
قرارٌ واحد يغيّرُ مبادئ ويهزها، ويغيّرُ نفساً.
وأحياناً شخصٌ واحد تتخذه صديقاً يغيّر فيك ويطبعُ فيكَ من صفاتِه، ويمزجُ أناكَ أحياناً بقليلٍ من شخصيتهِ وأسلوب.
قرار.. صداقة.. تفكير..
-
تجرِبة:
عندما قررت التقديم لجامعة الخرطوم - كلية الطب وعدم تمكني من إتمام إجراءات التقديم في جامعة قطر، هُنا بدأ كلُ شيء.
كان التقديم متعثراً فعلاً لكنّي لم أبذل جهداً حقيقياً أو أبديت أدنى إهتمام.
لستُ أذكرُ التفاصيل في المنتصف، بين قرار السودان وبين ما أنا عليهِ الآن. لستُ أذكرُ حقاً الكثير، سوى تحذيرات الجميع من الوقوعِ في حفرةِ "السودان" وأنَّ جامعة الخرطوم "قرايتها بالعربي"، وإني"حنكوشة" ولن أصمد.
لم أبالِ كثيراً بما سمعت ولم أخذ وقتاً كافياً لفهم ما تردد عليّ - رغم غباء ما تردد عليّ لأنه لا ينم إلا عن ما سمعوه عن تجاربِ الغير - وكنت ككل "مغتربٍ ساذج" في شوقٍ للسودان وإيجابية مخيفة، قاتِلة.

"يا دوب فهمت مثل الإيدو في الموية، ما زي اليدو في النار".

لستُ أكره السودان، ليسَ بعد.. لكن قريباً جداً. لم أكن أتوقع إطلاقاً أن يؤول بي الحال لهذهِ النقطة، أو أن أصِل لهذا المُنعطف.
لا يزالُ هناكَ بضعُ إمتنان، لكن لأول مرة يختلُّ سبب هذا الإمتنان والمغزى ورائه. أصبحتُ ممتنة لنفسي ولقراري، لأنني تعلمتُ الكثيرَ عن نفسي، تعلمتُ أنني كنتُ - ولا أزال - مجرد طفلة تلعبُ بشيءٍ تظنُه عبثاً لُعبة إلى أن تملَّ فتبحث عن أخرى. هذا فعلاً ما استطعتُ استنتاجه.
عرِفت أيضاً أنَّ حياتي كلُّها لا تساوي شيئاً، وأنني كنتُ - ولا أزال - ضائعة وتائهة. وأن الوقتَ ينتهى ويسابقني ويباغتني، و تقريباً 19 سنة ضاعت من عمِري هباءً وسدًى.
لم أكن لا أعلم كل هذا إن لم أنخرط في المجتمع السوداني الغريب، ولم أكن لأعرفني.
عرفتني كبنتٍ للظروفِ والبيئة المحيطة، عرفتني كمتأقلمة بارعة، ويبدو أن لتأقلمي هنا حد.
لم أعلم عن السودان الكثير بعد، ولكن ما رأيت في هاتين السنتين كفيلٌ جداً بتركِ بصمةٍ وشرخ فيَّ. لم أعاني حقّاً، فقط أعيشُ في حربٍ شبهِ نفسية، وكره ومقت تجاه التعليم وكوني فتاة تعيش في السودان.
لكل ما سبق وأكثر تهشمت كل آمالي وكل توقعاتي عن السودان، كل الذي كنتُ ارسمه له قد تهدّم أمامي، لأني كنتُ أضعُ إفتراضات وأنا لستُ في قلب الصندوق.
اقتنعت أنّ "السودان حلو بناسه" أكبر كذبة.
واقتنعت مجدداً أنّ السودان تعدّت مشاكله الحكومة، وأصبحت هناك مشكلة عويصة وهي شعبه.

أيُّ ناس أولئك الذين يجعلون السودان حُلواً وأيُّ أحداث؟
كنتُ أعيشُ حلماً واستظيقتُ في كابوسٍ، أتألم فيه ليس لكونهِ كابوساً فقط، بل لأنّ كان بي من أملٍ ما يجعلني أظنُّ أن هذا الكابوس من وحي خيالِ البعض.

*
اليومَ نرفعُ رايةَ إستقلالنا
ويسطرُ التاريخُ مولدَ شعبنا
يا إخوتي غنّوا لنا غنّوا لنا
*
1.1.2017
أدري أن هذهِ التدوينة ستكون مرفقة بالتاريخِ سلفاً، لكن هذا فقط لكل من يعيش حالة نكران لهذهِ السنة الجديدة بمن فيهم شخصي الضعيف.
-

أتمنى:
=أن أفيقَ من الكابوس، ليسَ في واقعٍ غيرَ سودانٍ جديد، لا يهم طولُ الكابوس فهو يساعدني على دفع نفسي للأمام، بطريقةٍ مظلمةٍ وعنيفةٍ قليلاً، لكنّها مفيدة إلى حينِ إشعار آخر.

=ألّا أخذلني أو أخذل كل من وضعَ ثقتهُ فيَّ وفي قدراتي.

=أن أتسامح مع التغيّر، والروتين، ومع أناي.

=أن أجدني.
*

أعتقدُ أن هذهِ التدوينة من أطول تدويناتي، لكنَّها من أصدقها وأقربها إليَّ، لذا شكراً لك لصمودك وصبرك.
ابتسم/ي. :).
*

نور العين أنتَ وينك وين؟
قدُ أبدو درامية قليلاِ، لكن دقيقة، أليست كل كتاباتي السابقة درامية؟

الجمعة، 19 فبراير 2016

لكلِ نص قد تركَ في طرف الدرج.

هذا النص، لكل نص قد تُرك بإهمال في طرف الدرج أو العقل دون إكتمال، لكل نص يشعر بالكره تجاه من كتبه، ولكل نص يحسُ بفراغه، بعض الكتابات لا يكلفُ الكتّاب أنفسهم بالإطلاع عليها كما ينبغى ويقومون برمي الورقة وقتما قررت كلمة ما ألّا تخرج يستسلمون بسرعة مخيفة للكلمات فيكتبون بعفوية كل الذي يطرأ على عقلهم، أو يستسلمون لواقع أن تلك الكلمة المعينة لن تخرج، لذلك سيموت النص قبل أن يستطيع أن يكتب أحدهم ما يريد.

كلمة واحدة تستطيع أن تتحكم في كاتب.

أقصى ما يستطيع أحدهم الخروج به نصٌ خالٍ من المعارك المحتدمة التي تكون مع الكلمات عادةً فأن بدأت المعركة لا حل إلا انتصار أي شيء إلّا الكاتب، ومن يعاني بحق هو النص، يعاني من الضياع، يشعرُ بعدمِ إكتماله وخوفه من المصير، ويحاول جاهداً إرغام الكلمات على مطاوعة الكاتب لكنّه لا يستطيع، قليل الحيلة، خائف ومتردد كما الكاتب الذي صبغَ نصه بصفاتِه، فمهما بدأ النص قوياً متماسكاً أأكد لكم أنه مرّ بلحظةِ ضعفٍ وإنهيار قبلاً ولم يكتسب كل هذا التماسك من المرة الأولى!

يتم وأد مُعظم النصوص في مكان ما قبل أن يكون لها فرصة حقيقية في إثبات وجودها، وخروجها بعد ذلك متوقف على الصدفة البحتة ومزاجية الكاتب، رغم إنتصاره المحقق على الكلمات في بعض الفقرات، إلا أنه يستصغر قيمة ربحه ويفضل أن يقوده مزاجه الذي يخبره، أنَّ ما يكتب هو مجرد قمامة ويصدق مزاجيته بكل سذاجة، وأحياناً مزاجيته تجعله يغتر بقدرٍ يجعله ساعياً للكتابةِ في كل منحى أي شيءٍ فقط ليثبت لشخصه أنه جيّد، وبهذا يتناسى أهمية ما يكتب فعلاً، ويتم ترجمة كل ذلك في كتابته، المزاجية و اللامبالاة.

مهما كتبت من أشياء لا تروق لكَ فهي شئت أو أبيت لن تكون قمامة، ليس بالنسبة لجزءٍ منك كتبها بكل صدق.. ليس إلا أن أرغمت كل جزءٍ فيك أن يكتب شيئاً ما أي شيء لا يهم ما هو فربما قد تستخلص من تلك التجربة قمامة، لأنها قد تكون قابلة لإعادة التدوير!

أن لما تكتبون عليكم حق، لا تجعلوا نصوصكم فارغة، مصطنعة، تفوح منها رائحة الإكراه، فذلك يدنس من حقِ الكلمات، وهذا تحديداً ما يجعل الكلمات في حالة ثورة دائمة على الكتّاب خوفاً من أن تتلاشى معانيهم الحقيقية وتصبح مجرد إبتذال يستخدمه كل من هبّ ودب، لا تستخدموا الكلمات ذات المعاني السامية في غير موضعها، فتصبح مستهلكة بالية وغير معبّرة، لا تجعلوا العالم يبحث عن مردافات أخرى لكلمات تستحق أن تظل كما أتت ذات معنى وحضور، لا تجعلوا الكلمات تعانى فنعاني نحنُ معها لأننا لم نفعل شيئاً سوى التعبير عما يختلج في صدورنا.

رجاء: لا تقتلوا الكلمات.

لا تجعل النص يغضب منك، فإن غضبه سيمثلك أسوء تمثيل، وسيتحالف مع الكلمات التي كانت تكرهك قبلاً ويحاول هو مساعدتك للوصول إليها دون مشقة وعناء، خسارتك للنص أدهى وأمرّ من خسارتك ضد الكلمات، فخسارتك ضد الكلمات يعني أن تحاول من جديد مع كلمات أخرى،أما في حالةِ نص كامل فأنت تخسر جزءاً منك كُتب على ورق، وسيكرهك ذلك الجزء للأبد، بالتأكيد هذهِ ستكون آخر المشاكِل التي تتمنى أن تواجهك، أن تدخل في حربٍ مع أشياء تهرب إليها وتتخذها ملاذاً، تخيّل إن طردتك يوماً أين ستذهب؟ لذلك ركزّ جيّداً وأعط النص حقه، يجعلك تلجأ إليه في أي وقت.

هذا يمثلني فقط، لا بالضرورة أن يمثل الجميع.

الأحد، 3 يناير 2016

تغيّر وتعود.

كل شيء يتغير، لا شيء يظلُّ كما هو.. التغيير سمة ثابتة في كل التفاصيل الحيَّة، قد لا يكون تغييراً ملحوظاً، لروتينية الوضع، وأحياناً يكون تغييراً كبيراً يترك شرخاً كبيراً في النفس، جاعلاً كل حواسك تتساءل عن التغيير الذي حدث، ما يخيف حقاً ذلك التغيير الذي يحدث ببطء، كالسُوس ينخر في الأسنان، إلى أن يصل الجذور فيرقصُ الشخص ألماً ويضطر مُجبراً على الإستغناء عن ذلك الجزء، تلك الأشياء الصغيرة المتراكمة، تسبب بالألم، الخوف، واللامبالاة، تلك الأشياء تخدعك بأنك أنت كما أنت لم يحدث لك شيء، هذهِ التغيرات تحدث عند انتقالك من بيئة لبيئة أخرى، تبدأ في التخلي عن مبادئك شيئاً فشيئاً، دون شعور، أو بلامبالاة محضة، ففكل الحالات أن تتخلّى عن أشياء كثيرة من باب التغيير، بغص النظر عن النيّة، النتيجة هي ما يهم الآن، النتيجة هي التي تؤثر عليك تأثيراً حتمياً في اللحظة، أمّا النيّة يجب أن تُكتنز إلى أن يحين موعد السؤال عنها.. تتخلى عن المبادئ شيئاً فشيئاً حتى تجد نفسكَ عارياً منها تماماً، وتبدأ الرحلة في تغطية الذاتِ والنفس مجدداً، بأقرب المبادئ وصولاً لعقلك وأكثرها تردداً في ثنايا عقلِك، تبدأ في الاختيار دونما وعي أو تفكير وتجد نفسك غريباً مختلفاً عما كنت قبلاً.

أيضاً التعود والرتابة يقتلان فينا الإنبهار وحب الإستكشاف، لذلك نتغير ببطء دونما شعور، فتصبح الأشياء التي أحببتها قبلاً عادةً مملة وقاسية أحياناً! نحن لا نتقنُ الفرح عندما نفعل شيئاً ما بدقة، نرى ذلك عادياً ونحكم على أنفسنا بالرتابة والروتينية فنشتكي إلى أن يحدث طارئ فنتغيّر، وعندما نصل لنقطة التغيّر نأبى التصديق ونخاف أن نفتقد الروتين الذي كنا نتذمر منه دائماً، إلى نتعود على التغيير فيصبح روتيناً مجدداً، كأنها دورة حياة روتينية تخللها تغييرات طفيفة في الأحداث لكنها تكونُ كفكرة عامة كما هي.. حدث ثم عدم رضى ثم تقبّل ثم تعود ثم ممل ثم حدث.. دورة حياة رتيبة ومملة، لكنها تحدث..

نصيحة: لا تتعود، تقبّل ما يحدث لك لكن لا تتعود.
ما الفرق؟ التعود أي أن ما تفعله أصبح الآن شيئاً بديهياً مملاً لا تستخدم فيه جوارحك لعمله أو الإستمتاع به، تفعله لأنك مرغم فقط. أمّا التقبل فهو مرحلة ما قبل التعوّد.. مرحلة تكون فيها قد انتهيت من استكشاف معالم ذلك الشيء تماماً فتستطيع الحكم عليه.

لن تتوقف عن التغيّر، فحتى يكون هذا التغيّرُ ممتعاً افعل كل شيءٍ كأنك لم تفعله قط، امنح نفسك متعة التجربة الأولى مرات كثيرة.. اخرِج نفسك من قالب التعود والحرفية فأنت إن فعلت الشيء مائة مرة ذلك لا يعني أنك فعلته بطريقة صحيحة، فقط مرة واحدة أو اثنتان من تلك المائة كانت رائعة لأنك كنت مستمتعاً.

الجمعة، 18 سبتمبر 2015

غاضبة.

غاضبة من كل شيء ومن لا شيء، غاضبة لأني لا أعرف إلى أين سينتهي غضبي وكيف بدأ، غاضبة لأني لا أعرف إلى أي حدٍ يمتد أملي، شغفي وقدرتي على العطاء، غاضبة لأني كنت لا أغضب عندما لا أعرف، غاضبة لأني أعرف أني لا أعرف، وغاضبة لكوني غاضبة.

من حقي أن أغضب، لأني أرى بعض الأشخاص يبحثون عن شيء ما، ويسعون لتحقيقه، مهما كان تافهاً، صغيراً ومتواضعاً، كلهم يشغلون أنفسهم بشيءٍ ما، حتى إذا كان ذلكَ الشيء شخصاً يستغلونه تحت مسمى المشاعر، هم على الأقل يتحاشون الغضب، يستغلون طاقاته فيما يسعدهم، حتى وإن كانت الطريقة خطأً جسيماً، هم على الأقل لا يغضبون على أنفسهم.

أنا غاضبة لأني مهما حاولت أن أكون مثلهم أفشل، مهما حاولت أن أبحث عن شيءٍ أضيع وأنا أبحث، لست كمن ينبش عن إبرة في كومة قش، لأن من يبحث عن الإبرة يعرف كيف تكون شكلاً، وأنا لا أعرف ما هي إبرتي وأين قشي، غاضبة لأن هذا النص قد يدفع البعض لأن يشفق علي، غاضبة لأني ضائعة، ضائعة بين الحروف، السطور، والأشخاص، ضائعة في مكانٍ أحفظه عن ظهرِ قلب، ضائعة بروحي.

غاضبة لأن كل محاولاتي لتهدئة الغضب تزيده تأججاً، غاضبة لأن مظهري لا يبدو عليه الغضب، غاضبة لأني كل ما يحيطني يبعث على ذلك، الأشخاص، الأفكار، حتى الأغاني!

إن أكثر ما يبعث على الغضب، الأفكار: الأفكار السلبية الغاضبة، الأفكار النقدية الساخرة، الأفكار التي تقضي بأن فئة كاملة من البشر مذنبة، الأفكار الكثيرة التي تنتشر كالنار في الهشيم، الأفكار التي تخيف كل شخص، الأفكار التي تنبع من دواخل الشخص، الأفكار الجيدة أيضاً تبعث على الغضب، الأفكار التي لا أستطيع التعبير عنها، الأفكار التي تتعفن في عقل المفكر، والأفكار التي تتعرض للسخرية والتفنيد يوماً بعد يوم، الأفكار كلها باعثة على الغضب.

آلة الفكر ومصدره الأشخاص: الأصدقاء قبل الأعداء يبعثون على الغضب، ربما بصورةٍ جيدة، يحاولون إخراج الثائر الذي يختبئ في روحك، ولكنهم يفشلون.. الأشخاص الذين ينادون بالإنسانية ومن ثمَّ يتهاونون، الأشخاص الذين يتوجعون لألم ويتركون الآخر، الأشخاص الذين لا يتوقفون عن تلويث صورتهم أمام الذين يحبونهم فعلاً، الأشخاص الذين يقتلون إنسانيتهم، الأشخاص عندما يتكلمون، يهمسون، يضحكون، يفكرون، يبكون، جميع إيماءاتهم باعثة على الغضب، قد يكونون مسالمين، يستقيظون كل صباح يفطرون، يذهبون للعمل ويرجعون ليناموا، هذا ما يبعث على الغضب بالتحديد، روتينهم الممل الذي لا يحاولون الإنشقاق عنه، الروتين الذي أورثونا إياه مع أموالهم، غاضبة لأني وجدت نوعا معيناً من الحياة مفروضاً علي، غاضبة لأني أعتقد أن لا أحد يستطيع أن يملي علي ما أفعل، لكني ببساطة سمحت للروتين الموروث أن يستفرد بي وينتشلني من نوبة غضبي.

غاضبة من أبسط الأشياء ومن أكبرها، غاضبة لنجرد الغضب، وليتني أهدأ قبل أن تشتد نوبة الغضب.

قد لا يكون لغضبي أيُّ معنى - ولن يكون - لكنه حتما موجود.

الجمعة، 24 يوليو 2015

لستُ أدري.

أنا الآن أعيش في صراع نفسي من النوع المدمِر.
اليوم اكتشفت وتيقنت من أن سؤال واحد فقط كنت تهرب منه داخلك، عندما يخرج للملأ بصوتٍ عالٍ يستطيع أن يقلب كيانك، يجردك من تعابير وجهك، ومن شخصك. يستطيع أن يسلبك كل شيء ببساطة. وعندما تبحث عن الإجابة، لا تجدها. تُعاني من إحساس لا يوصف وتأبى أن تكون أنت. وتتغير نظرتك للأمور بشكلٍ أو آخر.

منذ أن عُدت إلى حيثُ أمي كنت أحتضن الهم حتى لا يفلت مني وتصل رائحته لأنف من أقابلهم، حتى لا أحس بثقله وأتعود على قربه، هم هذهِ اللحظة، هم الفراق، حتى يكون ذاك الهم بسيطاً عندما يأتي وقته، لكني اكتشفت اليوم، أنّه كان وهماً، الهم كان يخدعني طوال الوقت، كان يتسربُ من بين يدي شيئاً فشيئاً كدخان أحاول إمساكه، ولم أستطع! كنتُ أشعر بخفةِ هذا الهم، مع حلول الوقت، ليس لتعودي على وزنه الثقيل، لكن لأنه كان يفلت دون إحساسٍ مني أو إنتباه، كنت غبية طوال ذاك الوقت، كنت غبيةً لأني اعتقدت أنّه من الممكن أن أتغلب على كآبة وغرابة وثقل لحظات الوداع.  كنت غبية لأني ظننت إنني مع حلول الوقت سأصبح باردةً بما يكفي.

أن ذاك الهم كان يردعني عن كل شيء ومن كل شيء منذ لحظة وصولي.. يقتلني.. يقتل شعوري بالفرح، يمزج لحظاتي السعيدة بطابعٍ حزينٍ، يسلبني الأنا الفرحة المرحة التي أتيتُ بها، ضاحكةً لأنَّ شوقها قد أنطفأ، ومسرورة لأنّها عادت وكل شيء كما تركته وأفضل، لكن لا. لم تستطع أناها السعيدة أن تقاوم التفكير في المستقبل، لم تستطع محاربته لتعيش الحاضر، كانت كمن كان يريد شيئاً بشدة، أكثر من استمراره في الحياة حتى وعندما أقتنص فرصته لم يشعر بطعم الفرحة أو الإنتصار. شعور باليأس والبؤس، شعور بالخوف، بعدم الإستقرار، شعور ليس ككل شعور، مشاعر قاسية، أقسى من هذهِ الحروف التي تصفها، مشاعر تنطق اسمي بكره.

يبدو أن تأثري الشديد جعلني أفقدُ سياق الكتابة ولم أعد أدري ما كتبت أو ما سأكتب، لم أعد أدري ما الدي حل بي، لكنّي سأحاول جاهدةً أنا أحرق أناي الجاحدة الحزينة قبل سفري، تركي لها هُنا لن يفيد، لأني عند عودتي ربما ستتلبسني مجدداً.

ليتني أستطيع الهرب وحدي دون أن أبكي، دون أن أضطر لوداع أحبتي هُنا، دون أن يثقل صدري ويصعب تنفسي، ليتني أستطيع أن أغلق عيني وأستيقظ وكل هذا مجرد كابوس سخيف.

السبت، 13 يونيو 2015

كتاب.

هذا النص الرابع الذي قررت كتابته اليوم، وربما قد يدفن هنا للأبد، ولن يرى النُور، وربما سيكون مرضياً بما يكفي ليتحدى معاييري الحازمة مؤخراً، كم يكون التدوين مخيفاً أحياناً، يتخطى كونه توثيقاً للحظات تفكير، يصبح مسألة إقناع للذات أحياناً! .. 

إنّه لمن الغرابة أن يعتقد البعض بأن الكتب للمفكرين وأن من يقرأها يحاول أن يظهر بمظهر المثقف، وأنها من رفاهيات الحياة، أنا أشعر بالغرابة لسماع مثل هذه الأفكار، بالعجز أحياناً، الكتب في رأيي هي غذاء ضروري، تصنع لك أفقاً، تصبحُ غير محدوداً، منفتحاً، تعرف كيف تكون سعيداً وأنت وحيد، تصنع لنفسك متعةً لا تضاهيها أي متعة..

أغرب ما أراه وأسمعه حولي حولي هو إعتقاد الأشخاص، بأن الكتب عبارة عن أشياء جانبية، ليست من ضرورات الحياة، قراءتك لها شيءٌ غريب، وهو شيءٌ تفعله في أوقات فراغك ومللك، كآخر ما يوجد لديك في القائمة! والبعض الآخر يربط الكتب بمناهجه الدراسية وكأنها لعنة حلت عليه ولم يدرِ كيف الهروب منها، وهو لا يدري ما يفوته من أحداث، من أشخاص..

الكتب إن كنت لا تدري فهي عالمٌ آخر، أتنقل بين صفحاته بشغف دون أن أحتاج إلى تكلفة عالية للسفر عبره، الكتب كأنّها مجرة أخرى، كل كوكب يمثل كتاب معيّن، يقطنه أشخاص أعيش معهم من دون علمهم، أضايقهم وهم لا يشعرون، أحبُّهم، أتعلق بهم أكثر ممن أقابلهم في الحقيقة، أعيش معهم أحلامهم، أسعى لتحقيقها كأنني هم، وعندما تقترب وجهتي من النهاية أتوقف خوفاً من نهاية السفر، خوفاً من أن أعود لواقعي المرير، تاركةً كل ما أحب خلفي، أشعر بالخيانة! كأني خنت الكتاب بأن تركته معلقاً بين النهاية واللانهاية، وكأنه خانني بأن انتهى قبل أن أشعر، قبل أن أكون جزءاً حقيقياً منه، أنه قرر أن يطردني من كوكبه قبل أن أستقر جيداً فيه، كأنني كنت في قصة حبٍ مع الكوكب وبعدها أنفصلنا! كل يوم يشهد قصة حب جديدة وقلب مكسور ملايين المرات، مهما كان الكتاب مملاً ومستهلكاً، هناك شيءٌ ما يجعلني لا أندم على قراءتي للكتاب، شيء ما يخبرني أن سفري وإنعزالي لكوكب آخر أفضل شيء قد يحدث لي! أنّه يستحق ذلك العناء والوقت! حيث أنني مهما قاسيت في إجتياز المقدمة دون الشعور بالملل، بإجتياز مسافة الوصول دون التعثر بأحداث تعطل زمن من رحلتي ومهما عاينت في ذاك الكوكب، ومهما تركت من حب وشغف..

أنا قد مُنحت إمتياز الإبتعاد عن كل تلك الأفكار البالية والأشخاص المعقدين، الذين لا يشبهونني، الذين يكرهون كوني أستمتع بشيء بسيط كقراءة كتاب! أنا لا ألومهم فهم لا يفهمون! هم لا يعلمون كيف أن رسم الحرف يسحرني، وكيف تفاصيل اللغة العربية تأسر قلبي، كيف أن الكتاب يشفيني، عندما أشعر بأني أحتاجُ إلى تغيير، إلى حياة جديدة، عندما أشعر بالإستياء، بالخوف، بالتوتر، أول ما أفكر فيه هو قراءة كتاب..

أجمل هدية كتاب.. أجمل شخصية كانت من كتاب..

أحياناً أشعرُ أنني وُجدت في كتاب، أني أعيشُ لأُقرأ، لأكون شخصيةً يحبها البعض ويكرهها البقية، شخصية يبحث البعض عنها ويتمنى الآخرون موتها، شخصية لها وجود في أوساط القراء، شخصية عندما تُذكر اسمها تثير الجدل، ليت شخصيات الكتب كانت موجودة، كانت ستشعر بروعة ومتعة رائعة، لأنها سترى كم هي راسخة في قلوبنا، في عقولنا، تحفزنا، تملؤنا بالأمل، وهي مجرد حبر على ورق!

وهناكَ ما هو أروع، أن أسافر للكوكب مع رفاق يحبون ذاك النوع من السفر، يسلونني، يجعلون من رحلتي، رحلة إستثنائية، أشعر وكأن كل من كان لا يستلطف قراءة الكتب قد مات، أجدني فيهم، تماماً كما أجدني في الكواكب التي أصل لها معهم..

الناسُ تدمن أشياء كثيرة، وأنا لم أصل لمرحلةِ إدمان الكتب بعد، لكنِّي كما ترون أحاول! فالكتب في النهاية تستحقُ الإدمان!

الاثنين، 20 أبريل 2015

أما حان الوقت لأن.. تثور؟

في هذهِ التدوينة أشعرُ بأنني أريدُ أن أسرد قصةً قصيرة، لستُ ماهرةً في ذلك،لكن.. ربمّا هذا ما وجدتُ نفسِي قادرةٍ عليهِ..
"أجدني في أماكن عديدة وفي أوقات كثيرة، أتنقل بينها بخضوع وأحيان قليلة بعزم ورضًى تام، يأسرني ما أراهُ وأتعلّق بهِ، أشعرُ بالإنتماء، والوجود، الحياة والأنا، ولوهلة، أحسُ بأنني سأنتمي إلى هنا للأبد، ولن أبرح ذلك المكان، ثم لا ألبث ألا أن أجد الذي حولي قد تبدّل، ماتت ملامحه وقد تغيّر، فأبحث في مكان آخر، لأشعر كما شعرت قبلاً رافضة التغيّر مع ما قد تغيّر، كنوعٍ من أنواعِ التكيّف، كنوعٍ من أنواعِ الهروب.. هروب من الذات، من الكون ومن إجبارِ الحياةِ لنا على أن نكون كما لا نريد أن نكون..
أجدني في متاهة صنعتها الذكريات، الضحكات والبكاء، وكل تفصيلة مملة أخرى، كنت أركض، كنوعٍ من الهرب، اللامبالاة، الخوف، والتحدي "الكاذب" الذي تفرضه تلك المتاهةُ عليّ، تلك المتاهة عاقلة، فطنة، متفهمة لكوني في غيبوبة، غيبوبةِ "الماضِي" ذلك الكابوس الذي يتنكر في هيئةِ غيبوبةٍ مقيتة، يعتقد الشخص أنهُ سيكون في عالمٍ بيني، لا يشعر بشيء مُطلقاًُ، لكنه حقيقةً يعيشُ كابوساً جديداً كل لحظة.. سرعان ما تبدأُ سرعتي الأولى في التناقص، شيئاً فشيئاً تعباً من الركض من المجهول نحو المجهول، ذلك التناقص يعلنُ إستسلامي المؤكد، إستسلامي المتوقع والمنتظر! أجلسُ لا حيلة لي، شبه عاجزة عن كل شيء! إلا التفكير! ذلك الشيء الوحيد الذي يتداخل في رأسي تاركاً إيايَّ في فوضى دائمة، داخلياً وخارجياً، فوضى معيقة لحركتي وإستغلالي لذلك التفكير أحياناً..

والآن، والأفكار تتسارع، والأفكار تجري.. أشعر وأفكر وأحس وأتيقن بأني أكتفيت، أكتفيت من الخضوع والإستسلام، أكتفيت من الركض والهرب، أكتفيتُ من أكون بسبب الظروفِ من أكون، أكتفيتُ من مطاردةِ الأطياف، من تذكرِّها والتحسر على أنها مضت، أكتفيتُ من غيبوبة "الماضِي" التي يندرُ الإستفاقة منها.

صوتٌ داخليٌّ قررَّ أن يفكِّر، أن يستقل وأن يتحدث، نيابةً عن كل جزءٍ من كياني:
"أما حان الوقت لأن تثور؟"
"أما حان الوقت لأن تكون؟"
"أما حان الوقت لأن تعيش؟"
لم أستطع تبيّن معالم ما حدث بعد ذلك، إذ أنهُ حدث بسرعةٍ كبيرة نسبياً، سرعة أكبر من قدرتي على الإستيعاب والفهم، لكنني أستعطت أن أرى تلك الجدران المخيفة للمتاهة تتلاشى، تختفي، تندثر وتتراجع إلى صندوق، ذلك الصندوق مغلق نوعاً ما مفتاحه إرادتي، لأول مرة أشعر بأني قوية بأني أملكني، أتحكم فيني، قد يفتح الصندوق نفسه من شدةِ الضغط، لكنني أستطيعُ تدارك الموقف بعد ذلك، دون شعورٍ بخضوع أو إنكسار.
تمت.

أنت من يصنع القرار، أنت من يأسر نفسه في متاهةٍ كبيرة، متاهتي كانت الماضي، فما هي متاهتك أنت؟ هل سألت نفسك قبلاً؟

وأما حان الوقت لأن تثور؟