--
أنا من ذاكَ النوع الذي يحب الرجوع وتذكّر ما كَتَبَ قديماً، وكان بيَّ من الفضول ما يكفي للعودة لما كتبت منذ 3 سنوات.
وجدتُها كمن لبِثَ 3 قرون ولم يتعرّف على ما رآه.
التغيير سمةٌ ثابتةٌ في كل التفاصيل ومتكررة ومتجددة.
انعطف تفكيري في منحىً بعيدٍ تماماً عمّا رسمته كلماتي في ذلكَ الوقت وتطورتُ لشخصيةٍ أخرى، بعيدةٌ تمامَ البُعد عن تصوراتي.
من يقرأُ ما أكتبه قبلاً وما أكتبهُ الآن سيشكُ أنني مصابةٌ بإنفصامٍ في الشخصية، ولست أعلم أيّ الشخصين أفضل.
أحبُّ أن أمقت نفسي وأشكرها في ذاتِ الوقت.. لأنَّ قراري هو ما أوصلني لهذهِ المرحلة، قرارٌ أحتاج شجاعةً وتفكيراً مطوّلاً لكنه اُتخذَ على عجل وبلا مبالاة.
قرارٌ واحد يغيّرُ مبادئ ويهزها، ويغيّرُ نفساً.
وأحياناً شخصٌ واحد تتخذه صديقاً يغيّر فيك ويطبعُ فيكَ من صفاتِه، ويمزجُ أناكَ أحياناً بقليلٍ من شخصيتهِ وأسلوب.
قرار.. صداقة.. تفكير..
-
تجرِبة:
عندما قررت التقديم لجامعة الخرطوم - كلية الطب وعدم تمكني من إتمام إجراءات التقديم في جامعة قطر، هُنا بدأ كلُ شيء.
كان التقديم متعثراً فعلاً لكنّي لم أبذل جهداً حقيقياً أو أبديت أدنى إهتمام.
لستُ أذكرُ التفاصيل في المنتصف، بين قرار السودان وبين ما أنا عليهِ الآن. لستُ أذكرُ حقاً الكثير، سوى تحذيرات الجميع من الوقوعِ في حفرةِ "السودان" وأنَّ جامعة الخرطوم "قرايتها بالعربي"، وإني"حنكوشة" ولن أصمد.
لم أبالِ كثيراً بما سمعت ولم أخذ وقتاً كافياً لفهم ما تردد عليّ - رغم غباء ما تردد عليّ لأنه لا ينم إلا عن ما سمعوه عن تجاربِ الغير - وكنت ككل "مغتربٍ ساذج" في شوقٍ للسودان وإيجابية مخيفة، قاتِلة.
"يا دوب فهمت مثل الإيدو في الموية، ما زي اليدو في النار".
لستُ أكره السودان، ليسَ بعد.. لكن قريباً جداً. لم أكن أتوقع إطلاقاً أن يؤول بي الحال لهذهِ النقطة، أو أن أصِل لهذا المُنعطف.
لا يزالُ هناكَ بضعُ إمتنان، لكن لأول مرة يختلُّ سبب هذا الإمتنان والمغزى ورائه. أصبحتُ ممتنة لنفسي ولقراري، لأنني تعلمتُ الكثيرَ عن نفسي، تعلمتُ أنني كنتُ - ولا أزال - مجرد طفلة تلعبُ بشيءٍ تظنُه عبثاً لُعبة إلى أن تملَّ فتبحث عن أخرى. هذا فعلاً ما استطعتُ استنتاجه.
عرِفت أيضاً أنَّ حياتي كلُّها لا تساوي شيئاً، وأنني كنتُ - ولا أزال - ضائعة وتائهة. وأن الوقتَ ينتهى ويسابقني ويباغتني، و تقريباً 19 سنة ضاعت من عمِري هباءً وسدًى.
لم أكن لا أعلم كل هذا إن لم أنخرط في المجتمع السوداني الغريب، ولم أكن لأعرفني.
عرفتني كبنتٍ للظروفِ والبيئة المحيطة، عرفتني كمتأقلمة بارعة، ويبدو أن لتأقلمي هنا حد.
لم أعلم عن السودان الكثير بعد، ولكن ما رأيت في هاتين السنتين كفيلٌ جداً بتركِ بصمةٍ وشرخ فيَّ. لم أعاني حقّاً، فقط أعيشُ في حربٍ شبهِ نفسية، وكره ومقت تجاه التعليم وكوني فتاة تعيش في السودان.
لكل ما سبق وأكثر تهشمت كل آمالي وكل توقعاتي عن السودان، كل الذي كنتُ ارسمه له قد تهدّم أمامي، لأني كنتُ أضعُ إفتراضات وأنا لستُ في قلب الصندوق.
اقتنعت أنّ "السودان حلو بناسه" أكبر كذبة.
واقتنعت مجدداً أنّ السودان تعدّت مشاكله الحكومة، وأصبحت هناك مشكلة عويصة وهي شعبه.
أيُّ ناس أولئك الذين يجعلون السودان حُلواً وأيُّ أحداث؟
كنتُ أعيشُ حلماً واستظيقتُ في كابوسٍ، أتألم فيه ليس لكونهِ كابوساً فقط، بل لأنّ كان بي من أملٍ ما يجعلني أظنُّ أن هذا الكابوس من وحي خيالِ البعض.
*
اليومَ نرفعُ رايةَ إستقلالنا
ويسطرُ التاريخُ مولدَ شعبنا
يا إخوتي غنّوا لنا غنّوا لنا
*
1.1.2017
أدري أن هذهِ التدوينة ستكون مرفقة بالتاريخِ سلفاً، لكن هذا فقط لكل من يعيش حالة نكران لهذهِ السنة الجديدة بمن فيهم شخصي الضعيف.
-
أتمنى:
=أن أفيقَ من الكابوس، ليسَ في واقعٍ غيرَ سودانٍ جديد، لا يهم طولُ الكابوس فهو يساعدني على دفع نفسي للأمام، بطريقةٍ مظلمةٍ وعنيفةٍ قليلاً، لكنّها مفيدة إلى حينِ إشعار آخر.
=ألّا أخذلني أو أخذل كل من وضعَ ثقتهُ فيَّ وفي قدراتي.
=أن أتسامح مع التغيّر، والروتين، ومع أناي.
=أن أجدني.
*
أعتقدُ أن هذهِ التدوينة من أطول تدويناتي، لكنَّها من أصدقها وأقربها إليَّ، لذا شكراً لك لصمودك وصبرك.
ابتسم/ي. :).
*
نور العين أنتَ وينك وين؟
قدُ أبدو درامية قليلاِ، لكن دقيقة، أليست كل كتاباتي السابقة درامية؟