هذا النص الرابع الذي قررت كتابته اليوم، وربما قد يدفن هنا للأبد، ولن يرى النُور، وربما سيكون مرضياً بما يكفي ليتحدى معاييري الحازمة مؤخراً، كم يكون التدوين مخيفاً أحياناً، يتخطى كونه توثيقاً للحظات تفكير، يصبح مسألة إقناع للذات أحياناً! ..
إنّه لمن الغرابة أن يعتقد البعض بأن الكتب للمفكرين وأن من يقرأها يحاول أن يظهر بمظهر المثقف، وأنها من رفاهيات الحياة، أنا أشعر بالغرابة لسماع مثل هذه الأفكار، بالعجز أحياناً، الكتب في رأيي هي غذاء ضروري، تصنع لك أفقاً، تصبحُ غير محدوداً، منفتحاً، تعرف كيف تكون سعيداً وأنت وحيد، تصنع لنفسك متعةً لا تضاهيها أي متعة..
أغرب ما أراه وأسمعه حولي حولي هو إعتقاد الأشخاص، بأن الكتب عبارة عن أشياء جانبية، ليست من ضرورات الحياة، قراءتك لها شيءٌ غريب، وهو شيءٌ تفعله في أوقات فراغك ومللك، كآخر ما يوجد لديك في القائمة! والبعض الآخر يربط الكتب بمناهجه الدراسية وكأنها لعنة حلت عليه ولم يدرِ كيف الهروب منها، وهو لا يدري ما يفوته من أحداث، من أشخاص..
الكتب إن كنت لا تدري فهي عالمٌ آخر، أتنقل بين صفحاته بشغف دون أن أحتاج إلى تكلفة عالية للسفر عبره، الكتب كأنّها مجرة أخرى، كل كوكب يمثل كتاب معيّن، يقطنه أشخاص أعيش معهم من دون علمهم، أضايقهم وهم لا يشعرون، أحبُّهم، أتعلق بهم أكثر ممن أقابلهم في الحقيقة، أعيش معهم أحلامهم، أسعى لتحقيقها كأنني هم، وعندما تقترب وجهتي من النهاية أتوقف خوفاً من نهاية السفر، خوفاً من أن أعود لواقعي المرير، تاركةً كل ما أحب خلفي، أشعر بالخيانة! كأني خنت الكتاب بأن تركته معلقاً بين النهاية واللانهاية، وكأنه خانني بأن انتهى قبل أن أشعر، قبل أن أكون جزءاً حقيقياً منه، أنه قرر أن يطردني من كوكبه قبل أن أستقر جيداً فيه، كأنني كنت في قصة حبٍ مع الكوكب وبعدها أنفصلنا! كل يوم يشهد قصة حب جديدة وقلب مكسور ملايين المرات، مهما كان الكتاب مملاً ومستهلكاً، هناك شيءٌ ما يجعلني لا أندم على قراءتي للكتاب، شيء ما يخبرني أن سفري وإنعزالي لكوكب آخر أفضل شيء قد يحدث لي! أنّه يستحق ذلك العناء والوقت! حيث أنني مهما قاسيت في إجتياز المقدمة دون الشعور بالملل، بإجتياز مسافة الوصول دون التعثر بأحداث تعطل زمن من رحلتي ومهما عاينت في ذاك الكوكب، ومهما تركت من حب وشغف..
أنا قد مُنحت إمتياز الإبتعاد عن كل تلك الأفكار البالية والأشخاص المعقدين، الذين لا يشبهونني، الذين يكرهون كوني أستمتع بشيء بسيط كقراءة كتاب! أنا لا ألومهم فهم لا يفهمون! هم لا يعلمون كيف أن رسم الحرف يسحرني، وكيف تفاصيل اللغة العربية تأسر قلبي، كيف أن الكتاب يشفيني، عندما أشعر بأني أحتاجُ إلى تغيير، إلى حياة جديدة، عندما أشعر بالإستياء، بالخوف، بالتوتر، أول ما أفكر فيه هو قراءة كتاب..
أجمل هدية كتاب.. أجمل شخصية كانت من كتاب..
أحياناً أشعرُ أنني وُجدت في كتاب، أني أعيشُ لأُقرأ، لأكون شخصيةً يحبها البعض ويكرهها البقية، شخصية يبحث البعض عنها ويتمنى الآخرون موتها، شخصية لها وجود في أوساط القراء، شخصية عندما تُذكر اسمها تثير الجدل، ليت شخصيات الكتب كانت موجودة، كانت ستشعر بروعة ومتعة رائعة، لأنها سترى كم هي راسخة في قلوبنا، في عقولنا، تحفزنا، تملؤنا بالأمل، وهي مجرد حبر على ورق!
وهناكَ ما هو أروع، أن أسافر للكوكب مع رفاق يحبون ذاك النوع من السفر، يسلونني، يجعلون من رحلتي، رحلة إستثنائية، أشعر وكأن كل من كان لا يستلطف قراءة الكتب قد مات، أجدني فيهم، تماماً كما أجدني في الكواكب التي أصل لها معهم..
الناسُ تدمن أشياء كثيرة، وأنا لم أصل لمرحلةِ إدمان الكتب بعد، لكنِّي كما ترون أحاول! فالكتب في النهاية تستحقُ الإدمان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق