السبت، 4 يناير 2014

فتَاة بِنصِف وطَن!

من أنا؟ من أكون؟ إلى أينَ أنتَمي؟ وما هِي هويتي؟ ألم يكفني عبءُ الابتعاد عن أرضٍ يُقالُ لها وطَن؟ 
ما هُو الوطَن؟ أينَ يقع؟ ما هِي تضاريسَهُ؟ أيعقلُ أنَّهُ مجردُ مَادة تُدَّرس في الجغرافيا سنوات عديدة؟ أيعقل أنَّ ما حفظتهُ عنهُ كانَ فقط لا شيء؟ هُو فعلاً لا شيء لأن ذلكَ اللاشيء لم يزِد الصورةَ إلَّا طمسَاً وأصبح الوطن بفضلهِ أكثَر غرابة. 


أنا مؤمنةٌ بأنَّ الأم وطَن لكن الجدةُ أيضَاً وطن ، أبي وطن ولكن جدي أيضاً وطن! ما هذا كم وطناً تملكينَ يا أنتِ؟ أملكُ نصِفَ وطن! وكيف ذلك؟ ذلك عاديٌّ جداً أنا قَد فارقتُ تلك المادة المطروحة للدراسَة وما تحمِل من أشخاص داخلها أعرفهم أو لا هذا لا يهم لأنني أعرف على أنّهم يشَاركونني الوطن وهذا ما يهمني حقَّاً هذا ما يهمُني. 


لديَّ هاجسٌ غرِيب وتدقيقٌ أغرب وأنا هُنا ملقاةٌ بعيداً عن الوطَن أن أسمع أصوات الجميع بتركيز أصبحت أرى أصوات المنتمين إلى وطنِي متشابهة ، أصبحتُ أرى خصلةً مُشتركةً تعلو ملامِحهم يوجدُ شيءٌ بكم جميعكم يجعلنِي أجزم أنكم من وطني أو لا ، أنا أعرفكم ، أعرفكم بطريقةٍ أو أخرَى ، لا تسألونِي كيف ذلك أو كيفَ اكتسبتُ هذهِ الخبرة ، فقط أعرفُ إن كنتم من ربع الوطَن الضائع أم من ربع الوطن المتبقيّ! ويّحك أيُّ وطنٍ ضاع لكِ؟ أليسَ جنوبُ السودَان وطناً؟ كان جزءاً من الوطن لم أره يوماً سُوى في الخرائط المملة التِي تزخرُ كتبِي للتارِيخ والجغرافيا بها، لم أرَ في السُودان سوى تلكَ البقعة الصغِيرة المسماة " توتِي " لكن هل يعني أنَّ عطبرة ليست جزءاً منِي؟ أو أنَّ دنقلا ومروي لا تعنياني؟ أو أنَّ الجزء الذي لم أره في تُوتِي لم يعد وطني؟ أنا لم أعش في الوطن كثيراً أقصى مدة لي كانت ثلاثة شهورٍ لا غير ولكن هل هذا يعني أنَّي مسرورة؟ أو يعني أنِّي مرتاحة؟ أنا أرغب أن أزور كلَّ جزء في السُودان بورتسودان ونيّالا وبارا وكلُّ مدينةٍ لم أعرِف اسمها يومَاً أو مدينة قد تاه اسمُها في ثنايا عقلي ، ليس جميلاً أن تسمع عن ربع الوطن الآخر فقط أو أنَّ ترى صوراً يقال أنَّها مُلونة وعاليّة الجودة أنا لا أرى لها جودةً أو لوناً هي فقط صُور تشبهُ الخنجر الفرق أنَّ طعنة الخنجر تقتُل أما طعنةُ الصورة فداميّةٌ فقَط تضحكُ بصوتٍ هامس ثُم يتعالى شيئاً فشيئاً يصمُّ الآذان ، أحياناً أرغب في رميّ الكتب التي تحمل هذهِ الصور أشعرُ بأنَّها عبارة عن كائنات حيَّة تُشبهُ في وظيفتها الديدان الشريطيّة الفرق أنَّها تلتصقُ في دماغك بدلاً عن معدتك وتسلبُ منك كل صورةٍ جميلةٍ للوطَن بدلاً عن الغذاء أليسَ جمال الوطن غذاءُ العقل؟ والغريب أنَّ هذهِ الديدان لم تُكتشَف بَعد. 


لكنِّي محظوظة لستُ كالكثِير. على الأقل أملكُ نصفَ الوطن ، وأستطيع على الأقل أن أكذِب على نفسِي بأنِّي أعلمُ القليل عن ربع وطني المتبقي والربع المسرُوق ، أو أنني أستطيع أن أرى صورهُ تتمتع بإغاظتي ، على الأقل أدرسُ في مدرسةٍ لها نفسُ مناهج الوطن ونفس الأشخاص الذين يشتركون في تفصيلة أو أكثر يسمُون بالمعلمات ، على الأقل لستُ أنبذُ لهجتِي ، على الأقلُ لستُ أتبخترُ فرحةً كوني بنصفِ الوطن ، على الأقل لستُ أكرهُ الوطَن. 


ليسَت المشاعِر بهذا السُوء دائماً


لماذا أرضِى بنصِف وطنٍ فقَط؟ لماذا أرضى بالقليل دائماً؟ لماذا أحبُّ المطر في وطني فقط؟ ولماذا أفرح عند إنقطاع الكهرباء؟ ولماذا أتأملُ الجدار كلَّ سنة أبحثُ عن تغيّرٍ صغيرٍ جداً فيهِ؟ لماذا أنا كثيرة التعلق بالمزارع التِي أراها من شُباك الطائرِة؟ لماذا أتمعنُ كثِيراً في وجهِ جدي الملئ بالتجاعيد؟ ولماذا يُعجبني بيتُ جدتِي جداً؟ ولماذا أكرهُ الطائرات كثيراً؟ رغم أنَّها وسيلتي الوحيدة للوصول للوطن؟ لماذا كتبتُ هذهِ التدوينة؟


أيعجبني أن أكون فتاةً بنصفِ وطن؟ لا؟ إذن لماذا أرضَى بالقلِيل؟ لماذا حاولت إسعاد نفسِي بكتابتي لفقرة على الأقل؟ لماذا كثُرت تساؤلاتِي؟ يجبُ أن أصمت الآن سأبدأ بالتفوه بالترهات ، " كأنَّ كامل هذه التدوينة لم تكن سوى ترهات مبعثرة"

 
شُكراً لتحملكم لي. 

هناك 3 تعليقات:

  1. فتاةٌ بنصفِ وَطن ، عنوانُ التَدوينة أجملُ شيء ،
    رُبَما هذهِ أكثر كتابتِكِ تَشبعاً بالمشاعِر ،
    وربما هَذا هوَ السبب في جَعلِي أبحثُ عن زرِ "التعليق" كالمجنونة !
    أقف على فقرةٍ في التدوينة حازت على إعجابِي !
    لماذا نُحبُ المطرَ في وطننا فقَط ، لماذا نحبُ الأعياد في وَطننا فقط ؟ لماذا نحبِذُ الفضولَ في وطننا فقَط ؟
    لماذا أُحبُ وطني ، لماذا أنا بنصفِ وطن ؟ لماذا لا أكونُ بوطنٍ كامل ،
    أليسَ الكثيرُ يختزلُ في القليل ؟ لقد عشتُ في مساحةٍ لا تَتعدى عُشرَ وطني !
    ولكن وطني أختزِلَ في تلك المِساحة ، أختزِل سكانُه الطيبون والأراضي المزروعة وعبقُ الياسمسن الذي يفوحُ من هواءِهِ العليل واختزلت الدكاكينُ الخضراءُ الصغيرة و روائِح الأطعمة الشهية كُلٌها اختزلت !بالمعنى الحرفي العميق للكلمة !
    تدوينة جميلة ، لأنها ربما تكونُ قد قالتِ الكثير ، نحنُ نملِكُ وطناً كاملاً بسبب ظاهرةِ الإختزال الفيزيائية !
    رُبُما تكونُ هذهِ هدية يوم ميلادٍ معنوية تمهيداً للهدية المحسوسة يومَ الأحد ، كلَ عامٍ وأنتي بخير :)

    ردحذف
    الردود
    1. أنا أيضَاً اكتشفتُ ذلك بعد قرائتي لها اليوم ، أنَّها أكثر كتاباتي التي تتصادم فيها مشاعري وأكثرها طُولاً وقَد وصفتِي تماماً ما قد أغفلتهُ في هذهِ التدوينة القصِيرة .. لقد ذكرتِ أكثر مما كنتُ أفكر فيه ، أتعلمين؟ كان قرائتي لهذا التعليق أفضل جزء في المفاجأة ، شُكراً على كل شيء ، أذكر هذا اليوم كأنَّه كان أمساً!
      وأنتِ بخيرٍ ( رُغم أنَّها متأخرة )
      شُكراً لأنكِ أنتِ!

      حذف
  2. أنا فَقط مُعجبة بكتاباتك ، بشخصك ، بكلك . أعجبنِي عنوان التدوينة و دَوماً تشعريني بتمكنك باللغة وبسلاستها وبعذوبتها رَغم صعوبتها . رُبما هذه التدوينة لها مكانة خاصة فِي قلبي لإنني أشعر تماماً بما تشعرين وأفهم تَماماً ما تريدين أن تَقولين . أنتِ مُدهشة .
    حَماكِ الله .

    ردحذف